الأُم (قصة قصيرة)
لــ غريس بالي *
ترجمة: محمد مشهور
في صباح أحد الأيام كنت استمع إلى المذياع. فسمعت أغنية تقول: " اوه يا أمي، إنني أتلهف لرؤيتكِ واقفة على مدخل البيت." بحق الرب، صرخت. وأدركت مالذي تعنيه تلك الأغنية. فكثيراً ما أشتاق لرؤية أمي في مدخل المنزل. في حقيقة الأمر، لقد كانت تقف بشكل دائم أمام عدة مداخل محدّقة صوبي. لقد انتصبَت أمامي ذات يوم على مدخل البيت الأمامي، كانت عَتمَةُ الرواق تمتد خلفها. كان ذلك في يوم نيويورك.
قالت لي بحزن: "إذا كنتِ تعودين إلى البيت في الرابعة صباحاً وأنتِ في السابعة عشرة من عمرك، فمتى سيكون وقت عودتكِ حين تبلغين العشرين؟ سألَت ذلك السؤال دونما دعابة أو استخفاف. كانت قد بدأت تحضيراتها القلقة للموت. فقد كانت تظن أنها لن تكون على قيد الحياة حين أبلغ العشرين. ولهذا تساءلَت. مرة أخرى وقفَت أمام مدخل غرفتي، كنت قد انتهيت للتو من إرسال البيان السياسي العام الذي ينتقد بشكل لاذع وضع الأسر في الاتحاد السوفييتي. قالت، اذهبي للنوم بحق السماء، أيتها الغبية أنتِ وأفكارك الاشتراكية. لقد شهدنا مسبقاً أنا ووالدك كل هذا. في العام 1905. لقد توقعنا ذلك كله. وعلى باب المطبخ قالت لي، لم تكملي يوماً وجبة غدائك كما يجب، تتخبطين بلا شعور، مالذي يمكنك كونه يوماً ما؟ وماتت بعد ذلك.
من الطبيعي ظللتُ بقية حياتي أتوق لرؤيتها، ليس على المداخل فحسب، بل في أماكن جمّة - في غرفة الطعام برفقة خالاتي، عند النافذة وهي تنظر للأعلى والأسفل نحو الزقاق، في حديقة المدينة عند نباتات الزينة والزهور المخملية، وفي غرفة المعيشة برفقة والدي. كانا يجلسان على أرائك مغطّاة بالجلد، يستمعون إلى موسيقى موزارت، ينظرون إلى بعضهم البعض في ذهول. بدا الأمر لهما كما لو أنّهما التقيا للتو على متن قارب. وتعلما للتو أول كلماتهما الانجليزية. لقد بدا الأمر كما لو أنه للتو تسلّم بفخرٍ شهادة امتيازه كبروفيسور أمريكي في علم
التشريح. لقد بدا الأمر كما لو أنها انتهت للتو من التسوق للمطبخ. أتمنى لو كان بإمكاني رؤيتها على مدخل غرفة المعيشة. لقد توقفت هناك لدقيقة. ثم جلست بجانبه. لقد كانا يملكان آلة تسجيل ثمينة. كانا يستمعان عبرها إلى مقطوعات باخ. قالت له، تحدث معي قليلاً، لن يكون بمقدورنا الحديث كثيراً بعد الآن. أنني متعب، قال. ألا ترين؟ لقد قابلت ربما ثلاثين شخصاً اليوم. جميعهم مرضى، جميعهم لا يتوقفون عن الحديث. استمعي إلى الموسيقى، إنني أؤمن في أنكِ قد امتلكتِ في يوم ما ذائقة عالية تجاه الموسيقى.إنني متعب، قال.
وبعدها رَحَلَت عن الحياة.
* غريس بيلي مؤلفة قصص قصيرة أمريكية وشاعرة ومعلمة وناشطة سياسية. كتبت بالي ثلاث مجموعات من القصص القصيرة التي لاقت استحسان النقاد، والتي تم تجميعها في جائزة بوليتزر والقصة النهائية لجائزة الكتاب الوطني The Collected Stories في عام 1994.
رابط النص الأصلي
http://readashort.blogspot.com/2008/06/mother-by-grace-paley.html
http://readashort.blogspot.com/2008/06/mother-by-grace-paley.html